المرحوم الكاتب والمترجم الفلسطيني الراحل أحمد نمر يعقوب

blog post with image

30 ألف أحمد؟!


الكاتب حسن البطل

2009-10-09

جريدة الأيام الفلسطينية

ما العلاقة بين مصيبة ابن بلدي أحمد يعقوب ومأساة أبناء شعبي في تل الزعتر؟ هل أحيل إلى الواقع المعاش، حيث واحد من الخمسة من قيادة التل كان اسمه أحمد.. ومات في كمين إسرائيلي ليلي جنوبي الدامور.. أو أحيل إلى النظرية في كتاب للناقد فيصل درّاج عن الثقافة والهوية الفلسطينية (من إصدار حركة "فتح" وتقديم يحيى يخلف).

أمس في المقهى، برام اللّه، كان أحمد، ابن بلدي طيرة حيفا، يلعب الزهر (أو يلعب الورق - هاند - عندما يفرغ من الزهر) وإلى جانبه كتاب فيصل درّاج عن الثقافة والهوية.. ومن الكتاب فهمت، أخيراً، لماذا محمود درويش تحدّث عن "أحمد العربي" لا الفلسطيني في قصيدته الشهيرة: ".. لأحمد العربي المنسي بين رصاصتين".

يناشدني أحمد أن أكتب عن أحمد، رغم أن أحمد كاتب وشاعر ومحرّر.. ويشعر بالحبور إذا تحدث بالإسبانية (القريبة من البرتغالية) مع متضامنين أجانب يأتون إلى بلعين ونعلين.. ثم يلعب أحمد الزهر أو يلعب "الهاند"، ويقوم من طاولة اللعب ليتحدث مع ابنته ليندا أو ابنه أدونيس في غزة.. ويعود كسفياً، لأن أدونيس الصغير ابن الخامسة قال له: "يا بابا.. أنا بطّلت أحبّك" لماذا؟ لأنه لا يأتي من رام اللّه إلى غزة، ولا تذهب ليلى وولداها إلى رام اللّه.


"ليدين من حجر وزعتر/ هذا النشيد/ لأحمد العربي المنسي بين رصاصتين.." وأما أحمد فهو المنسي بين جولة حوار فصائلي وجولة أخرى، ويقولون لأحمد: حالتك جزء من حالة عامة.. هناك 30 ألف حالة تنتظر الفَرَج، أي "لم الشمل" بين فلسطينيين في غزة يحملون بطاقة هويّة رام اللّه، وفلسطينيين في رام اللّه يحملون بطاقة هوية غزة.. وجميعهم، أو غالبيتهم، موظفو سلطة وطنية فلسطينية.

أحمد يحمل بطاقة هوية رام اللّه، ولما ذهب إلى غزة، قبل ثمانية أعوام من الانقلاب الغزي، أنسته ليلى غرامه القديم بليندا الكوبية، فتزوج ليلى اللاجئة من النقب إلى القطاع، وعاد بها إلى رام اللّه. لاجئ إلى سورية يتزوج لاجئة إلى غزة "ونحن نقصّ عليك أحسن القَصَص" عن "شعب م.ت.ف" الذي يحبّ هنا ويتزوّج هناك، أو يُطرد من هناك إلى هنا تاركاً حبّه هناك.

زوجة أحمد حبلت بالولد البكر، وشاءت أن تلد بين أبويها.. فعاد أحمد إلى غزة، وعمل في وزارة الإعلام - الجناح الغزي، عندما كانت غزة "تحكم" رام اللّه وأخواتها. الوزارات الرئيسية هناك. ديوان عام الموظفين.. هناك. الجوازات تصدر من هناك.. والرئيس هناك (وأحمد دحبور.. أيضاً كان هناك، وابن عمي محمد بقي هناك.. رغم أننا كنا سوية ببيروت).

كانت إقامة أحمد في غزة طويلة نسبياً، بحيث أنه أنجب فيها ولدين يحملان بطاقة هوية رام اللّه، ولكن الأم تحمل بطاقة هوية غزة.. وهنا المشكلة التي باعدت الزوج عن "زوجته"، والأولاد عن والدهم (قال له ابنه أدونيس: بابا.. بطّلت أحبّك.. ليش ما تيجي لغزة.. أو ليش ما نروح عندك في رام اللّه).



ماذا تقول السلطة (التي ورثت المنظمة، والمنظمة التي باركت زيجات المقاتلين اللاجئين)؟ نقول: لا تريد "فرزاً" بين موظفيها من يحملون بطاقة هوية رام اللّه (في غزة) أو بطاقة هوية غزة (في رام اللّه).. يكفيها أنها تدفع رواتب موظفيها الذين لا يعملون في غزة الآن، أو رواتب موظفيها الذين "دشّروا" غزة بعد الانقلاب.. ولا يعملون شيئاً في رام اللّه سوى لعب الورق والزهر.. وقراءة الكتب، وتدخين السكائر بإفراط، والحديث بالهاتف الجوّال مع الزوجة والأولاد (في غزة) أو مع الزوج بلا أولاد (في رام اللّه).

حالة واحدة من 30 ألف حالة (كما قال مسؤول حكومي لأحمد، سأله: لم شمل، يأتي بزوجة بطاقة هويتها غزة لتعيش حياة أسرية مع زوجها في رام اللّه).. هذا إذا لم يمانع الإسرائيليون من جمع شطري الأسرة: غزة - رام اللّه . شطرا أسرة، شطرا سلطة، شطرا شعب واحد في غزة ورام اللّه ينتظران (ينتظرون) كيف سيستمر حوار الفصائل في القاهرة.

في البداية، حدّثتكم عن الثقافة والهوية للشعب الفلسطيني. فيصل درّاج فضل المنفى على قيود أوسلو.. ليكن، هذا لا ينفي عنه فلسطينيته، ولا صحة أسباب غسان كنفاني (أرض البرتقال الحزين) أو أسباب محمود درويش (أوراق الزيتون) أو أسباب عز الدين المناصرة (يا عنب الخليل).

عندما دخل ابني أرض البلاد سأل: أين هي فلسطين، وعندما زرنا غزة قال: كم فلسطين توجد.. فقد عبرنا إسرائيل. والآن، "بطاقة هوية غزة" و"بطاقة هوية رام اللّه".


إعداد تيسير إبن طيرةحيفا

[email protected]

احدث المقالات