طيرة الكرمل:حكاية كفاح ورحلة عذاب وتهجير

blog post with image


ما قبل احتلال الطيرة

طيرة الكرمل:حكاية كفاح ورحلة عذاب وتهجير../ د.محمد عقل*


بعد صدور قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني 1947 اندلعت مواجهات بين اليهود والعرب في أنحاء متفرقة من فلسطين راح ضحيتها المئات من الضحايا من كلا الطرفين. في


13

كانون الأول 1947 قامت وحدة من منظمة "الإيتسل" بمهاجمة بيوت تقع في شمالي قرية طيرة الكرمل مستخدمة العبوات الناسفة والقنابل اليدوية والرشاشات. 


وقد ورد في كتاب تاريخ الهاغاناه أن هذا الهجوم المباغت أسفر عن نسف منزل، وإشعال النار في آخر، ومقتل ثلاثة عشر شخصاً. وقد كشفت صحيفة فلسطين عن وجود أطفال وشيوخ من جملة الضحايا، وأكدت صحيفة نيويورك تايمز وقوع الهجوم وقالت إن الهجوم استهدف منزلاً مؤلفاً من طابقين يقع على أطراف القرية، وقد أسفر عن سقوط 13 قتيلاً وعشرة جرحى معظمهم من النساء والأطفال، وتدمير البيت بالكامل وإصابة عدة منازل مجاورة بأضرار متفاوتة. 


وتقول الشاهدة أم حسن صبحية محمد إبراهيم الباش وهي من مواليد طيرة الكرمل سنة 1927 وتقطن في مخيم اليرموك بدمشق: "استفقنا قبل أذان الفجر على أصوات انفجارات قوية هزت القرية كان مصدرها من الحارة الشمالية للقرية والتي كان يسكنها عائلة الأبطح وحجير وعباس وغيرهم من العائلات الأخرى، هرع الرجال بفوانيس الكاز إلى المكان وشاهدوا الدخان يعلو سماء القرية، والحرائق تلتهم المكان، والنساء والأطفال يصرخون، أخذ الرجال يطفئون النيران ويخرجون الجثث من تحت الأنقاض، وبقي أهالي القرية وعلى أضواء الفوانيس ينبشون الركام، وأذكر أنه نجا من العائلة طفل صغير وجدوه تحت الأنقاض، وقد حماه عمود مائل ظلله، وظلوا هكذا حتى طلوع الفجر، حيث خرجت القرية عن بكرة أبيها نساء وأطفالاً ورجالاً ليشاهدوا ما حدث لأهاليهم وأبناء قريتهم من عائلة الدبور المتفرعة من عائلة حجير وللمنزل المؤلف من طابقين والذي انهار تماماً. وحينه شاهدنا جثث لسبعة عشر شخصاً من بينهم خمسة أطفال". 


وتضيف اللاجئة المذكورة أعلاه: "عند الظهيرة وأثناء تشييع الجنازات والتي خرج فيها جميع أهالي القرية مع بعض أبناء القرى المجاورة، انتشر خبر مفاده أن اليهود هجموا على القرية من الجهة الشرقية من ناحية مستعمرة "أحوزا"، عندها تركت النعوش في المقبرة دون لحدهم، وانتشر الرجال على أطراف القرية والتزمت النساء والأطفال البيوت، وأفرغت البيوت الواقعة في أطراف القرية تماماً ونزلوا عند أقاربهم في وسط القرية. وظلت حالة الاستنفار مستمرة والمسلحون مستعدون لأي طارئ إلى أن تأكدوا أنه لا يوجد أي خطر عندها عادوا وألحدوا شهداءهم، ومنذ ذلك الحين أصبح الأهالي يؤرخون الحادثة بـ"موقعة بيت دبور" أو "موقعة دار حجير" في إشارة إلى المجزرة". 


خلال الأسابيع اللاحقة تعرضت القرية إلى هجمات أصغر. ففي 5 شباط 1948 شن اليهود هجوماً استمر ساعة ونصف، ولم يُسفر عن وقوع ضحايا، وقد جاء في بلاغ رسمي بريطاني أنه لم يصدر عن القرية أي رد فعل. وفي الصباح الباكر من 22 نيسان شُن هجوم كبير على الطيرة ترافق مع هجوم الهاغاناه على حيفا، وكان هدف الهجوم منع التعزيزات العربية من الوصول إلى حيفا، لكن المحاولة الأولى للاستيلاء على القرية تمت بعد ثلاثة أيام من سقوط حيفا، إذ ذكر المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس أن الهجوم وقع في الساعة الواحدة والدقيقة الأربعين من صباح 25 نيسان، وأن مدافع الهاون والرشاشات استخدمت فيه، لكن سرعان ما حضرت وحدة بريطانية إلى مكان الاشتباك وتوقف إطلاق النار. 


وقد أشار موريس إلى أن البريطانيين ساعدوا في إجلاء بعض النساء والأطفال وفي إيصالهم إلى مأمنهم، وهو يضيف أن الهجوم استؤنف في صباح اليوم التالي بعد أن غادر البريطانيون، واستمر إلى أن وصلت وحدة بريطانية أخرى في وقت لاحق من النهار، ونظمت عملية إجلاء أخرى. 


رابط في القرية سوريون وعراقيون تابعون إلى جيش الإنقاذ يقدر عددهم بتسعة عشر مقاتلاً، ويبدو أن رجال طيرة الكرمل استطاعوا الحصول على كميات كبيرة من الرشاشات والذخيرة من رجال حرس الحدود الأردنيين المرابطين في المعسكر البريطاني الواقع غربي القرية، ورغم كل ذلك فإن الوضع كان حرجاً للغاية، ما جعل القائد الأردني إدريس بك وسعيد الدجاني يتصلون بالهاغاناه للوصول إلى اتفاق سلام يليه عودة العائلات المهجرة إلى القرية. وفيما يلي وثيقتان وجدناهما في أرشيف الهاغاناه تبينان سير المفاوضات بين الطرفين: 


الوثيقة الأولى: 


إلى طنا من حيرام/ ع. (سريه 2-مئير) التاريخ: 3/5/1948 جدي 


الموضوع: مباحثات بين اليهود والعرب حول سلام في قرية طيرة (الكرمل) 


في 28/4/48 جرى لقاء في بيت سعيد بك الدجاني بين اليهود ط.ي وبين العرب: الدجاني، وإدريس بك من قوات الفيلق العربي. في هذا اللقاء بحثوا في شروط السلام في قرية طيرة (الكرمل). طلب اليهود إخبار رجال الطيرة بأن اليهود يوافقون على الصلح مع أهالي الطيرة بنفس الشروط التي كانت في حيفا، أي تسليم السلاح لليهود وطرد جميع الغرباء من القرية. وعد الدجاني بأن يسلم هذه الشروط إلى رجال الطيرة وأن يستمع إلى رأيهم. في نفس اليوم سافر الدجاني إلى الطيرة ونصح رجالها بأن يعيدوا العائلات إلى القرية. ادّعى رجال الطيرة أنهم يخشون من أن يُهاجمهم اليهود ويقضوا عليهم جميعاً. أجاب الدجاني بأنه إذا لم يبدأ رجال الطيرة بمهاجمة اليهود فإن اليهود لن يكونوا البادئين بالهجوم، وإذا كانت لديهم الرغبة في عقد صلح مع اليهود فإنه مستعد لأن يكون وسيطاً بشرط أن يحصل منهم على تفويض رسمي. حسب رأيه إذا نجح في منح أهالي الطيرة نفس شروط السلام التي كانت في حيفا، فإن ذلك سيكون في صالحهم. أجاب رجال الطيرة بأنهم يرغبون في التشاور فيما بينهم، وغداً صباحاً سيسلمونه جوابهم. في 29/4/1948 بدأت العائلات بالعودة إلى القرية، ولكن حتى اليوم لم يصل جواب من رجال الطيرة فيما إذا كانوا موافقين على شروط السلام أم لا. 


الوثيقة الثانية: 


إلى طنا من حيرام/ ع. (سرية-مئير) التاريخ 5/5/1948 جدي 


الموضوع: عقد اتفاقية سلام بين اليهود والطيرة 


في الأسبوع الفائت جرت مفاوضات بين سعيد الدجاني ورجال الطيرة حول عقد اتفاقية سلام مع يهود حيفا. بعد أن طلبت الهاغاناه أن يُسلّم رجال الطيرة سلاحهم، أجاب أهالي الطيرة بأنهم غير مستعدين لتسليم سلاحهم، ولكن إذا لم يبدأ اليهود بالهجوم عليهم فإنهم لن يمسوا اليهود بسوء، وذلك لأنه قبل الحوادث الأخيرة كانت لديهم أسلحة، الذي يدير المفاوضات هو سعيد الدجاني. 


كان من الصعب على رجال طيرة الكرمل قبول شروط السلام الواردة أعلاه وذلك للأسباب التالية: 


1) إن السلام الذي اقترحته منظمة الهاغاناه كان استسلاماً دون قيد أو شرط، كاستسلام حيفا. 


2) إن تسليم رجال طيرة الكرمل جميع ما بأيديهم من سلاح يعني سلبهم القدرة على المناورة. 


3) إن قيام رجال الطيرة بطرد الغرباء أي المتطوعين السوريين والعراقيين يعني كشف القرية أمام قوات الهاغاناه لتفعل بها ما تشاء. 


4) إن استسلام العرب في حيفا لم يمنع نزوح العرب عنها بل بالعكس. 


5) يبدو أن سعيد الدجاني كان طبيباً مرافقاً لقوات الفيلق العربي، وهو الذي عُيّن، على ما يبدو، في الستينيات وزير دولة ثم وزيراً للمالية في حكومة وصفي التل في شرق الأردن. 


فشل المفاوضات بين الطرفين أدى إلى تجدد الاشتباكات بينهما وإلى نقل المزيد من السكان إلى أماكن آمنة، إذ ذكر بني موريس أنه في 5/5/1948 نقل نحو 600 شخص من طيرة الكرمل إلى جنين ونابلس. ويبدو أن المتطوعين السوريين والعراقيين قد غادروا الطيرة إذ جاء في التلخيص اليومي للمعلومات المقدم في 26 أيار 1948 والموجود في أرشيف الجيش الصهيوني أنه بقي في قرية الطيرة عدد قليل من الرجال بعد أن قام الفيلق العربي بإخلاء الأطفال والنساء والشيوخ في بداية شهر أيار، وأن معظم من أُخلوا وصلوا إلى شرق الأردن. قسم من النساء والأطفال والشيوخ لجأ إلى عين غزال وإجزم. 


سقطت الطيرة في 16 تموز/يوليو 1948 خلال حرب الأيام العشرة التي فصلت بين الهدنتين. وقد جاء في الجزء الثالث من كتاب تاريخ الهاغاناه أن احتلال الطيرة في 17/7/1948تم بمساعدة نيران القوات البحرية المساندة للقوات البرية، وكان الهجوم على الطيرة جزءاً من عملية واسعة النطاق أسفرت، أيضاً، عن احتلال كفر لام وصرفند. 


احدث المقالات