12:45 - 03/01/2018
اليرموك وقاتلي التاريخ
مازال حُلم العودة المشروع إلى فلسطين ماثلاً في قلوب أبناء الشعب الفلسطيني في سوريامن دفاتر اليرموك (230)
د.علي بدوان
اليرموك وقاتلي التاريخ
مازال حُلم العودة المشروع إلى فلسطين ماثلاً في قلوب أبناء الشعب الفلسطيني في سوريا، ينتقل من جيلٍ إلى جيل, وبقيت صورة فلسطين بمدنها وقراها وأثارها ومقدساتها محفورةً في قلوب أبناء فلسطين على إمتداد الأرض السورية، فقد شكّلت الذاكرة الوطنية الخصبة مادة الشحن اليومي الذي أكسَبَ هذا الحق مناعة في صفوف كل فلسطيني، ففشلت رهانات الإطاحة بحلم العودة المشروع، ومات من توهم بأن "الكبار يموتون والصغار ينسون", وبقيت الحقيقة الراسخة أن القضية العادلة لا تموت بالتقادم ولا يُلغيها تَجبّر ظالم
يُشكّلُ الوجود الفلسطيني في سورية ولبنان أساس ونواة حركة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، فإذا ما جرى تفكيك وبعثرة وتهديم البناء المجتمعي لفلسطينيي سوريا ولبنان، فإن هذا يؤسس لتمرير مشاريع تدمير هذا الحق ووأده. ومن هنا فإن من استهدف التجمعات الفلسطينية في سوريا، ومنها مخيم اليرموك على وجه الخصوص نظراً لحجمه السكاني ودوره الوطني الريادي، لا يعرف أي جريمة صنعتها وتصنعها يديه، ولايعرف وهو مقتولاً بطمعه وهو يُمعن في البيوت نهباً وسلباً أي جريمة كبرى سيحاسب عليها طال الزمن أم قصر
مخيم اليرموك، كاد أن يُدمّر عن بكرة أبيه، لكن العديد من مربعاته، ومنها حارة الفدائية دُمرت بكاملها، فهوت مع المنازل التي بناها أبناء شعبنا بكدهم اليومي، وتناثرت بينها صور الشهداء الفلسطينيين المعلقة في كل بيت وعلى الجدران, وبات تحت كل حجرٍ من حجارته قصة مناضلٍ صار شهيداً، وقصة لوحة، وآلاف الصور لعائلات فلسطينية قبل دياسبورا المنافي والنكبة، وتحفة صغيرة ولو بسيطة من رائحة فلسطين، وتاريخ طويل لشعبٍ عظيم، ماكل ولامل بالرغم من أهوال الصدمات التي عاشها عبر حياته الممتدة منذ ماقبل النكبة وحتى الآن
مخيم اليرموك، متحف للذاكرة الوطنية والجمعية، فكل حارة وكل زقاقٍ من أزقته، يروي قصة بطولة، وقصة عملٍ وطني، وقصة شعبٍ أراد أعداؤه طمسه ونفيه، وهرسه تحت أقدام الفيلة
يختبىء التاريخ، بين أكوام حجارة اليرموك، وتنام صور الشهداء والملصقات والمكتبات والأدبيات بين دماره، ليصبح متحفاً يُجمع فيه التحُف والمقتنيات الثمينة والنادرة التي تؤرخ لمسيرة الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية التحررية المعاصرة
دعوتنا لحفظ التراث الكفاحي والإنساني وجمعه من بين ركام الدمار في بعض حارات اليرموك، حفظ المكتبات التي تناثرت كُتبها، وموسوعاتها التي حرق بعضها المغول، ونهبها بعضهم، ورماهم أخرون منهم لتكون حطباً وناراً مشتعلة. مكتبات تحفظ وثائق فلسطينية نادرة، ومطبوعات وطنية وملصقات، كما كانت تجمع موسوعات تمتد من صحيح البخاري والتفاسير الى موسوعات الفلسفة والعلوم الإجتماعية والسياسية، من ورقيات الثورة وفلسطين الى ديالكتيك الطبيعة لمؤلفه
(باغاتوريا)
إن أول ما تناولته يد العدو "الإسرائيلي" بعد إزدلافه الى بيروت مع خروج أخر دفعة من مقاتلي وفدائيي المقاومة الفلسطينية نهاية أيلول/سبتمبر 1982 كان مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو المركز الأكاديمي الذي كان يِضُمُ ملايين الوثائق، فأصّرت قيادة المقاومة على إعادة كل ممتلكات المركز بصفقة تبادل الأسرى التي جرت عام 1983 وهو ماكان
دعوتنا لحفظ مكتبات اليرموك الشخصية والجمعية، وماتبقى من مقتنياتها الوطنية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : مكتبة العم الشيخ الجليل محمود الصمادي (أبو سميح) اطال الله بعمره. مكتبة الناقد الأدبي الفلسطيني العالمي المرحوم يوسف سامي اليوسف، بقايا مكتبة علي بدوان، مكتبة الباحث التراثي الفلسطيني عيد عبد الكريم الحشاش (أبو احمد) صاحب موسوعة
(فنون الطرب عند قبائل النقب)....
مُجرم من يقتل التاريخ، سافل من يحاول إغتيال ذاكرة الشعب الفلسطيني المكافح. لقد تعودنا عبر مسيرة الشعب الفلسطيني الكفاحية الصبر الدؤوب على الملمات مهما كانت فواجعها كبيرة