18:09 - 03/12/2017
طيرة حيفا.. أي شوق يشد إليك يا زرقة البحر
عاشها جمعة غنام، فتظهر زرقة البحر والأشرعة في عرضهطيرة حيفا.. أي شوق يشد إليك يا زرقة البحر
عندما تبدأ الذاكرة اللاجئة بالانثيال شيئا فشيئا، تتلاشى لوقت قصير سنين اللجوء الواحدة والستين التي عاشها جمعة غنام، فتظهر زرقة البحر والأشرعة في عرضه، وشمس الصباح اللامعة وقطرات الندى على ورقات أشجار الخروب على سفح جبل الكرمل حيفا، المدينة الساحلية التي سقطت في أيدي العصابات الصهيونية العام1948
إنه شكل حياة يبعث في نفس اللاجئ غنام من طيرة حيفا السرور، الذي قاده دفاعه عن تلك الحياة التي عاشها الفلسطينيون إلى حبل المشنقة بعد وقت قصيرة من تلاوة أول رئيس حكومة إسرائيلية ديفيد بن غوريون بيان النكبة الفلسطينية أو ما يسمى تأسيسدولة إسرائيل
كل عام في مثل هذا الوقت، يحيي الفلسطينيون في كل أصقاع المعمورة، ذكرى النكبة، وهي ذكرى الشتات والتهجير ألقسري من مدنهم وبلداتهم
كانت الطيرة اكبر بلدات حيفا سكانا، وعرف عن سكانها تصديهم للعصابات الصهيونية التي أبادت فلسطينيين في إطار اكبر عملية تهجير شهدها القرن الماضي
وتشير تقديرات إلى أن عدد فلسطينيي الشتات بلغ أكثر من 5 مليون نهاية العام 2007
.وفي محيط منزل غنام بمخيم بلاطة يسكن لاجئون ينتمون إلى مناطق مختلفة من فلسطين بعضهم عايش تلك السنة ويتحدث عن اللحظات الأخيرة التي قضاها في بيته الذي ينتظر العودة إليه
كان غنام قد انضم إلى الثوار، وأوكل إليه حمل رشاش من طراز ستين، لكنه سرعان ما وقع في قبضة الجيش الإسرائيلي، ليحكم عليه سريعا بالإعدام، قبل أن يفرج عنه في عملية تبادل للأسرى بين الإسرائيليين والجيش الأردني
ظل الرجل هو ومجموعة من الثوار يدافعون عن حيفا حتى الرمق الأخير من قوتهم حتى وقعت بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية، واستولى اليهود على أملاكهم في المدينة والقرى والبلدات المحيطة بها، كما فعلوا بكبرى بلدات حيفا، الطيرة
يروي غنام الذي يسكن الآن مخيم بلاطة للاجئين كبرى مخيمات نابلس، كيف أقام اليهود دولتهم في الخامس عشر من أيار ذلك العام على أحزان الفلسطينيين، وكيف أن القرار الأممي رقم 194 الذي تنص الفقرة 11 منه بصراحة على ضرورة عودة اللاجئين إلى بيوتهم التي هجروا منها، بقي حبرا على ورق ولم ينفذ حتى الآن
ليلة الخروج الأخيرة من الطيرة التي تبعد عن حيفا نحو عشر كيلومترات كان الرجل مازال يحمل رشاشه.كانت القرية تخرج جماعات جماعات تحت جنح الظلام خوفا من بطش الجماعات الإرهابية اليهودية في اتجاهات عدة. بعض العائلات لجأت إلى الضفة الغربية جنوبا وبعضها حث الخطى شمالا نحو الأراضي السورية واللبنانية هربا من بشاعة المجازر ودوي المدافع
وكذا فعل احمد والد جمعه الذي سار بعائلته نحو جنين قبل أن يحط به الترحال في مخيم بلاطة حيث يسكن اثنان من أولاده الخمسة
لكن عائلة أحمد غنام تركت ذلك اليوم الذي خرجت فيه من حيفا التي انتقلت إليها من الطيرة قبل وقت من حصول النكبة عمر أصغر أولادها في الشارع بعد أن تم القبض عليه من قبل البوليس الإسرائيلي لينظف الطرقات من المتاريس الحجرية
وكبر الابن وعاش في حيفا في كنف امرأة قريبة للعائلة.وتشتت العائلة الآن في أكثر من دولة
إنها قصة ابعد من الواقع الدامي الذي صنعته بشاعة النكبة. وهي قصة ليست بعيدة عن ما ذهب إليه كثير من المؤرخين الذين أكدوا ان كل خطط العصابات الصهيونية كانت خطط تطهير عرقي موجه ضد الفلسطينيين
لقد قامت اليهودية على شلال دم الضحايا الفلسطينيين قال جمعة كانت الطيرة بذاتها ضحية ذلك التطهير.ودمرت إسرائيل الناشئة بقوة البطش على أحلام الفلسطينيين مئات القرى، وارتكبت عشرات المذابح بحقهم
ويروي غنام كيف أحرقت العصابات الصهيونية عددا كبيرا من عجزة القرية وهم أحياء بعد أن نقلوهم إلى منطقة فيها بيادر للقمح قريبة من منطقة اللجون وأشعلت النار فيهم
كانت الطيرة المقامة على سفوح الكرمل على طريق حيفا- يافا تحفل بموقع جغرافي مهم، لذلك أصبحت هدفا للعصابات الصهيونية التي هاجمتها غير مرة، وظلت كما يقول غنام صامدة ثلاثة أشهر بعد سقوط حيفا
ويحتفظ الرجل إلى جانب ذكريات زرقة خليج بحر حيفا وأيام الصبا في الكرمل بكتاب حول الطيرة بلدته التي لم يزرها بعد عام الخراب (1948) إلا مرات قليلة
ويفخر بتلك الأيام الذي كان عنقه قاب قوسين أو أدنى من حبل المشنقة، عندما يشير إلى صورة له بهذا الكتاب، كتب في أسفلها انه كان احد أسرى عام 1948.وفي صفحة أخرى تظهر صورة والده مع تعليق مفاده أن هذا الرجل كان أحد أعوان الشيخ عز الدين القسام
كثيرا من أهالي الطيرة لم تتح لهم فرصة إلقاء نظرة واحدة على بلدتهم، كذلك تقول عائلة غنام
إلا إن عائدة ابنة جمعة كانت زارت حيفا قبل سنوات، ومن هناك قادها عمها عمر الذي ترك طفلا في شوارع حيفا ينظف المتاريس لتشاهد بلد الأجداد التي أقام اليهود على أنقاضها مستعمراتهم
مثلما شاهدت عائدة الخروب وبقايا ردم الحجارة، شاهدت أيضا زرقة البحر التي لا ينفك يصفها والدها جمعة ويصف شوقه العارم لها
طيرة حيفا
وكالة وفا جميل ضبابات
اعداد تيسير ابن الطيره