حي وادي الصليب الفلسطيني -شاهد على التطهير العرقي

blog post with image


حي وادي الصليب الفلسطيني -شاهد على التطهير العرقي


وادي الصليب - حيفا


إن المأساة الفلسطينية ليست قضية قومية فقط، ليست نزاعاً بين شعوب فقط، بل هي مأساة أناس اقتلعوا وقذفوا في الريح إلى المجهول.
"وادي الصليب" في حيفا هو جرح مفتوح فلسطينياً، أخ للجراح الإنسانية والقومية الباقية في عشرات المدن والقرى. مقابل "بيت شآن" العبرية توجد "بيسان" في الذاكرة ومقابل طبريا التي أفرغت من الفلسطينيين بقيت ذكريات العرب الطبراويين ومقابل "تسفات" التي صارت يهودية يتذكر الصفديون بيوتهم وكرومهم وقبور آبائهم وأجدادهم، وما زالت البيوت القديمة أعشاش الذكريات الفلسطينية!

وادي الصليب هو حي يقع في قلب وسط مدينة حيفا، على المنحدر الشمالي الشرقي السفلي من جبل الكرمل.

التسمية :
سُمي وادي الصليب بهذا الاسم بسبب تقاطع واديين في مكان واحد، وهو ما يشكل صورة "الصليب"،واعتمادًا على هذه الفرضية ، فإن تم تجريد الوادي من بيوته فمن الممكن حينها رؤية التقاء الواديين.

التاريخ:
تأسس وادي الصليب بالقرب من أسوار المدينة القديمة في 1761، بعد وقت قصيرمن انشاء حيفا الحديثة على يد الظاهر عمر. كان الحي مأهولا من قبل المسلمين و المسيحيين العرب حتى منتصف القرن التاسع عشر ، عندما بدأت التنمية في حيفا بالدفع إلى التوسع خارج المدينة. وسكنت فيه مئات العائلات العربية الفلسطينية لقرب الحي من مصلحة السكك الحديدية والميناء ومن ثم المنطقة الصناعية التي أقامتها حكومة الانتداب البريطاني. وصل عدد سكان هذا الحي مع عدد من الأحياء الصغيرة القريبة منه في فترة الانتداب وحتى وقوع النكبة إلى أكثر من عشرة آلاف فلسطيني.
في عام 1948، كما هو معروف ، كان الرحيل /الترحيل الكبير لعرب حيفا. قوات الاحتلال اليهودي- الإسرائيلي، فتحت الطريق أمام عرب حيفا إلى الميناء، ومنه كان يهاجر الناس الفلسطينيون المرعوبون إلى عكا، ومنها شمالاً إلى لبنان، كما هاجر بعض سكان حيفا العرب شرقاً في اتجاه "اللجون" في اتجاه المنطقة التي أصبحت "الضفة الغربية" وتعرّض الحي إلى قصف مكثف من مدفعية الهاغاناه خلال معركة حيفا، وبالتالي نزحت عنه عائلات كثيرة ريثما تهدأ الحالة، ثم نفذت الهاغاناه خطة المقص على كامل الأحياء العربية في حيفا ومن ضمنها هذا الحي، فتمّ ترحيل سكانه باتجاه الميناء أو البوابة الشرقية حيث جهزت وسائل النقل البحرية والبرية لنقل المهجرين والمرحلين إلى لبنان.


المهم أن السلطات الإسرائيلية كانت تُعطي اللاجئين خط مسار في اتجاه واحد-"روحة بلا رجعة" ، كما يقول مثلنا الشعبي المأساوي. خلال عدة أشهر أُفرغت حيفا من أهلها. كان فيها أكثر من 74 ألف عربي فلسطيني لم يبقَ منهم إلاّ 13-15 ألفاً فقط.حياة اجتماعية إنسانية كانت مستمرة عشرات السنين، تهدمت تماماً خلال سنة الحرب، وصار "وادي الصليب" الذي كان يعج بالحياة الإنسانية العادية منطقة دمار شامل، كما لو كان بعد هزة أرضية ماحقة ولكنها هزة من صنع البشر، لا الطبيعة.
بحلول نهاية الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، كان 60,000 من العرب قد غادروا المدينة ، وقد سمح لعدد قليل منهم بالعودة إلى ديارهم في وادي صليب وغيرها من المناطق ، حيث أن معظم المباني في وادي صليب التي كان تنتمي للفلسطينيين و النازحين قد تمت مصادرتها بموجب قانون أملاك الغائبين.
بين مايو 1948 ومارس اذار 1949 حوالي 24,000 مهاجر إسرائيلي استقروا في الاحياء العربية الموجودة في وادي الصليب و منهم اليهود المغاربة.
حتّى غولدا مئير التي زارت منطقة وادي الصليب سنة 1949 قالت إنها منقبضة جداً وحزينة وقالت إنها تذكرت أيام مشاهد الهدم والدمار..مأساة اليهود في الحرب العالمية الثانية!
ولما تمّ تفريغ الحي من سكانه الأصليين أحضرت الهاغاناه والمؤسسات الصهيونية مئات العائلات اليهودية المهاجرة ووطنتها فيه. كان يجيء مهاجرون ممن قدموا إلى إسرائيل، خلال حرب 1948 ، ويحتلون البيت الذي يجدونه فارغاً. كان الصراع، بداية، على "البيوت الجميلة " وبعد ذلك كان الصراع على أي بيت فارغ. وكان هناك "تقسيم طبقي" ،أو "تقسيم طائفي" وفي الحصيلة احتل اليهود القادمون من أوروبا (الاشكناز) البيوت الفلسطينية الجميلة أو الواسعة أو المرتبة. وجاء اليهود السفراديم (الشرقيون) وكانوا مستعدين أن يسكنوا في أي بيت "فارغ"، بلا سكان. ولكن هؤلاء المهاجرون تعرّضوا إلى سياسات حكومة بن غوريون وبلدية حيفا التمييزية تجاههم لكون معظمهم من أُصول يهودية عربية وشرقية. فاندلع تمرد قاده عدد من شباب الحي للمطالبة بتحسين ظروفهم الحياتية إلا أن المؤسسة الرسمية واجهتهم بالقوة ورحلّت العائلات عن الحي ووزعتهم في أحياء مختلفة من المدينة كي لا يعودوا إلى فعلتهم التمردية.

وادي الصليب اليوم :
يعتبر معظم اليهود والعرب الذين يعيشون في وادي صليب من واضعي اليد وطردوا تدريجيا على مر السنين. يجري تجديد بعض المباني التاريخية و قد تحولت إلى النوادي الليلية والمسارح. منها قصر الباشا، الذي بني في العهد العثماني.و بالقرب منه الحمام التركي الذي كان يستخدم من قبل الأسر المحلية، و هو مبنى محتل الآن من قبل مجموعة من قدامى المحاربين في الجيش فيما كان قبل ذلك نادي جلب الموسيقيين والراقصين من القاهرة.
كما تم اقتلاع جزء من المقبرة الاسلامية القديمة في الوادي وتقسيمها الى نصفين لافساح الطريق لإقامة الطريق السريع بين حيفا والناصرة، مع العلم أن مسجد الاستقلال لا زال قائما في وادي الصليب.


وهكذا أصبح الحي فارغا من السكان في 1959، إلى أن بادرت البلدية في مطلع الثمانينيات لوضع خطة تفصيلية لتحويل جزء من الحي إلى قرية للفنانين، إلا أن هذا المشروع باء بالفشل الذريع، وحاولت البلدية نقل بعض النشاطات الثقافية من الهادار والكرمل إلى الحي، ولكن هذه المحاولة لم تعش إلا فترة قصيرة. وهكذا تحول الحي إلى احد أكثر الأحياء المهملة في المدينة، وسُدت كافة البيوت فيه، إلى أن بدأ حارس أملاك الغائبين في مطلع القرن الحالي بعملية بيع عدد من العقارات لمستثمرين اسرائيليين ليقوموا بهدم البيوت القائمة وبناء مبان جديدة مكانها، أو ترميم بعض البيوت وإضافة طوابق عليها.وهكذا يشهد الحي سياسة طمس معالمه العربية الفلسطينية، وتشويه موقعه، إن كان ذلك بهدم بيوت وشق طرقات أو تغيير في أسماء شوارعه العربية.


منقول




احدث المقالات