ذكرى إغتيال حنظلة .....22/7/1987....ناجي العلي

blog post with image
اغتيال ناجي العلي في 22 تموز/يوليو عام 1987 في احد شوارع لندن، حيث اصيب تحت عينه اليمنى، وبقي في المستشفى إلى أن وافاه الأجل في يوم 29 أغسطس/آب 1987 متأثر بجراحه.
وجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى الموساد الاسرائيلي وثانيا إلى منظمة التحرير الفلسطينية لأنه رسم بعض اللوحات التي تمس قياداتها، وإلى بعض الأنظمة العربية للسبب ذاته

الشهيد الفنان ناجي سليم حسين العلي رسم آخر رسوماته بدمه أمام مبنى صحيفة القبس الدولية في لندن… هناك في جنح النهار وتحت الشمس الخجلى من الظهور امتدت الأيادي الوقحة نحوه لتحاول منعه من القدرة على التحرك 

وليمنعوا قلمه وفرشاته من فضح المؤامرة






لاحقوه خوفا من فضح خيانة أسيادهم فأطلقوا الرصاص على رأسه




لا تسقط من مناجل الحصادين سوى السنبلة الطرية الطائعة … أما القامات الطويلة العصية على الانحناء فلانقصافها تحت وقع الموت دويّ كموت بلد … وكان لموته دويّ لم يهدأ حتى الآن في واحد وعشرين بلدا … بكته وما زالت تنوح كأفراخ الطير اليتامى 




:يقول ناجي العلي
"لا يهمني أن يحمل رسومي من يسعون الى الضحك ومن تهتز كروشهم صخبا… يهمني أن يعيشها الإنسان العادي والأمي والمثقف وان تصل الفكرة بكل أبعادها وصدقها … ربما تأخذ شكلا تحريضيا وشكلا ثوريا حينا آخر




ويقول أيضا:
"أتمنى أن اصبح مثل الآلهة الهندية بأيد متعددة .. وفي كل يد قلم لكي ارسم اكثر فاكثر"
:أما حول رمز حنظلة فقال
"حنظلة هو أيقونتي التي تحميني من الشطط"




:وعن الشخوص الزاحفة والمترهلة التي ادخلها في رسوماته قال ناجي العلي
"إن هذا الزمن هو زمن الزواحف"




ترى… هل كان عبثيا في قوله او رسمه…؟
:وهل كان مخطئا حين قال ذات موقف
"لست قاضيا ,,, ولكنني رسام … ولأنني رسام يتحتم علي أن اوجه ريشتي نحو ما أظنه بائع دماء شعبنا لعلها تتحول يوما الى نصل يمزق وجه القناع ويكشف مدى قبح ملامح الحقيقة"




:ترى … هل ثمة جنحة ارتكبها حين صرخ
"رسمت بالحس الطبقي الذي يلفت النظر لهذه القوى المسحوقة التي تجدر بها الحياة وهي عملية لفت نظر لأصحاب القضية الحقيقية في الثورة كي يتوجهوا او ينتبهوا لهذا الواقع"




:وهل اخطأ في عدم اعتقاده الذي كرره غير مرة
"لا اعتقد أن هناك اختلافا بين أي مواطن في وطننا العربي … هناك حقوق مهضومة وواقع تجزئة"




أنجز ناجي العلي اكثر من 40 ألف كاريكاتير وظل موقفه ثابتا لا يتزعزع … وقد كتبت مجلة "نيويورك تايمز" في أحد أعدادها تقول

"إذا أردتم أن تعرفوا مدى كراهية العرب لأمريكا … تصفحوا رسومات ناجي العلي"



"ولد حنظلة في العاشرة من عمره وسيظل دائما في العاشرة … ففي تلك السن غادرت الوطن وحين يعود حنظلة سيكون بعد في العاشرة … ثم يأخذ بالكبر بعد ذلك … قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه .. انه استثناء … وستصبح الأمور طبيعية حين يعود الوطن … فالطفل يمثل موقفا ليس لي فقط .. بل بالنسبة لحالة جماعية تعيش مثلي وأعيش مثلها "
"قدمته للقراء .. وأسميته حنظلة … كرمز للمرارة .. في البداية قدمته كطفل فلسطيني لكنه مع تطور وعيه اصبح له أفق قومي ثم أفق كوني إنساني"





:محمود درويش يكتب عن ناجي العلي
"لا اعرف متى تعرفت على ناجي العلي.. ولا متى أصبحت رسومه ملازمة لقهوتي الصباحية الأولى .. ولكنني اعرف انه جعلني ابدأ قراءة الجريدة من صفحتها الأخيرة…كان يسخر من نفسه لان الغزاة في صيدا ظنوه شيخا طاعنا في السن بسبب بياض شعره … سألني الى أين ارحل؟ قلت سأنتظر الى أن اعرف وسألته إن كان سيبقى فقال انه سينتظر الى أن يعرف … لم يكن أحد منا خائفا … لان المشهد الدرامي في بيروت كان اكبر من أية عاطفة … فرسم بيروت وردة وحيدة … ولم نعلم ولم يعلم أحد أن وراء الوردة وحشا يتقدم من مخيماتنا … لم نعلم أن الخناجر والسكاكين كانت تشحذ جيدا في ذلك الليل لتقطع أثداء أمهاتنا … فقد كنا غائبين عن وعي التكهن … ونحن ننظر الى البحر الغارق في البحر… ورأيته للمرة الأخيرة في باريس … لم يتذكر إلا بيروت … قلت له مازحا:أما زلت تنجو لان الغرباء يظنون انك شيخ طاعن في السن؟ :كان يشكو من رئيس التحرير السابق .. قلت له:اهدأ … فقد آن لك أن تجد التوازن بين يديك الذهبية ومزاجك العاصف… وكان يهدأ رويدا رويدا … خطرت له خاطرة … تعال نعمل معا … أنت تكتب وأنا ارسم… وكنا صديقين دون أن نلتقي كثيرا … لا اعرف عنوانه ولا يعرف عنواني … تكلمنا مرة واحدة حين امتنعت جريدته عن نشر إحدى مقالاتي التي أدافع فيها عن نفسي أمام هجمات إحدى المجلات .. قال: سأدافع عن حقك في التعبير وسأتخذ موقفا … قلت له اهدأ … وكنت اكتب .. وكان يرسم… جميع الذين عملوا معه كانوا يقولون انه اصبح جامحا وان النار المشتعلة فيه تلتهم كل شيء … لان قلبه على ريشته ولان ريشته سريعة الانفعال والاشتعال لا تعرف لأي شيء حسابا … ولأنه يحس بأن فلسطين ملكيته الخاصة التي لا يحق لأحد أن يجتهد في تفسير ديانتها … فهي لن تعود بالتقسيط … لن تعود إلا مرة واحدة … مرة واحدة من النهر الى البحر … وإلا لن يغفر لأحد … وأعلن الخلاف مع الجميع وخدش الجميع بريشة لا ترحم ولا تصغي للأصدقاء الذين قالوا له: "يا ناجي لا تجرح روحك الى هذا الحد … فالروح جريح"وكان الأعداء يسترقون السمع الى هذا الخلاف و كانوا يضعون الرصاصة في المسدس … كانوا يصطادون الفرصة



وكنت اكتب وكان يرسم… وحين استبدل عبارتي"بيروت خيمتنا الأخيرة" بعبارته اللاذعة"محمود خيبتنا الأخيرة" كلمته معاتبا… فقال لي:لقد فعلت ذلك لأني احبك ولاني حريص عليك مما أنت مقدم عليه … ماذا جرى … هل تحاور اليهود … اخرج مما أنت فيه لأرسمك على الجدران … لم يكن سهلا علي أن اشرح له … لم يكن سهلا أن تناقش ناجي العلي الذي يقول: "لا افهم هذه المناورات … لا افهم السياسة .. لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية" كان غاضبا على كل شيء فقلت له … مهما جرحتني فلن أجرحك بكلمة … لأنك قيمة فنية نادرة … ولكن بعدما صرت "خيبتك الأخيرة" لم يعد من الضروري أن نكتب وان نرسم معا وافترقنا كما التقينا على الهواء… حين استشهد ناجي العلي .. سقطت من قلبي أوراق الأغاني لتسكنه العتمة … الاختناق في الحواس كلها .. لا لان صديقا آخر .. صديقا مبدعا … يمضي بلا وداع فقط … بل لان حياتنا صارت مفتوحة للاستباحة المطلقة .. ولان في وسع الأعداء أن يديروا حوار الخلاف بيننا الى الحدود التي يريدونها … ليعطوا للقتيل صورة القاتل التي يرسمونها وليتحول القتلة الى مشاهدين … فلماذا يغتالون الشهداء مرة ثانية … بأن يضفوا عليهم هوية ليست لهم … إن ناجي العلي لنا … منا … ولنا … ولنا… لذا ليس من حق سفاحي الشعب الفلسطيني أن يسرقوا دمعنا .. ولا أن يخطفوا منا الشهيد … فهذا الشهيد الذي كان شاهدا علينا هو شهيد ثقافتنا … شهيد الطرق المتعددة الى الوطن … وهو ابننا وأخونا ورفيق مذابحنا وأحلامنا … وخالق حنظلة الخالد … القادر أن يسمي هويتنا بتأتأة تضحكنا وتبكينا … من الطبيعي أن يتكاثر الذباب حول الدم … فهل اخذ الذباب وقتا كافيا ليعتاش من دمنا المسفوك في كل ناحية ..؟ كفى … كفى… إن تعميم إبداع ناجي العلي على جيل اليوم وجيل الغد هو مهمتنا … وان تكريم هذا المبدع هو واجبنا … ومن كان منا بلا خطأ أو خطيئة فليطبق بصوابه المطلق على عمرنا كله …

 


احدث المقالات